فصل: باب ذكر أمارات النبوة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 من شعر زيد بن عمرو بن نفيل

حيث يقول‏:‏

وأنت الذي من فضل مَن ورحمة ** بعثت إلى موسى رسولًا مناديـا

فقلت له‏:‏ فاذهب وهارون فادعُوا ** إلى اللّه فرعون الذي كان طاغيا

وقولا له‏:‏ آأنت أمسكت هذه بلا ** عمد أكرم بمَنْ كان بانيـــــا

وقولا له آأنت سوَّيت هذه بلا ** وتدٍ حتى استقرت كمـــــا هيا

وقولا له من ينبت الحب في الثرا ** فتصبح منه البقل تهتز رابيــا

ومن شعره‏:‏

وأسلمت وجهي لمن أسلمت ** له الأرض تحمل صخرًا ثقالا

وأسلمت وجهي لمن أسلمت ** له الريح تصرف حالًا فحـالا

وأسلمت وجهي لمن أسلمت ** له المزن تحمـل عذبًا زلالا

إذا هي سيقت إلى بلدة ** أناخت فصبت عليها ســـجالا

ومن الحوادث في سنة ثمان وثلاثين من مولده صلي الله عليه وسلم قال مؤلف الكتاب‏:‏ في هذه السنة رأى الضوء والنور وكان يَسْمع الصوت ولا يدري ما هو‏.‏

أخبرنا الحصين قال أخبرنا ابن المذهب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ أخبرنا أبو كامل قال‏:‏ حدثنا حماد قال‏:‏ أخبرنا عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال‏:‏ أقام النبي صلي الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة سنة سبع سنين يرى الضوء والنور ويسمع الصوت وثمان سنين يوحى إليه وأقام بالمدينة عشرًا‏.‏

ولم يقع سنة تسع و ثلاثين ما يُكتب‏.‏

ذكر الحوادث في سنة أربعين من مولده صلي الله عليه وسلم وكان السبب‏:‏ أنه كان عند ملوك الأعاجم صفة من النساء مكتوبة عندهم وكانوا يبعثون بتلك الصفة إلى الأرضين غير أنهم لم يكونوا يتناولون أرض العرب بشيء من ذلك فبدا للملك أن يطلب النساء فكتب بتلك الصفة إلى الأرضين فقال زيد بن عدي لأبرويز‏:‏ عند عبدك النعمان بن المنذر بنات عمه وأهل بيته أكثرمن عشرين امرأة على هذه الصفة‏.‏

قال‏:‏ فتكتب فيهن‏.‏

قال‏:‏ لا تفعل أيها الملك فإن شر شيء في العرب أنهم يتكرمون فىِ نفسهم عن العجم فأنا كره أن يغيبَهنَ‏.‏

فبعث به إليه فقال‏:‏ إن الملك قد احتاج إِلى نساء لأهله وولده وأراد كرامتك‏.‏

فقال‏:‏ أما في عين السواد وفارس ما تبلغون به حاجتكم ويعني بالعين‏:‏ البقر ثم كتب إلى كسرى‏:‏ إن الذي طلب الملك ليس عندي فسكت كسرى على ذلك شهرًا والنعمان يتوقع ويستعد حتى أتاه كتاب كسرى أن أقبك فللمك إليك حاجة فحمل سلاحه وما قدرعليه فلحق بجبل طيء فأبت طيء أن تمنعه وقالوا‏:‏ لا حاجة لنا بمعاداة كسرى ولم يقبله غير بني رواحة بن عبس فنزل بطن في قار ثم رأى أنه لا طاقة له بكسرى فرحل إليه فلما بلغ كسرى مجيئهُ قال‏:‏ اجعلوا على طريقه ألف جارية عذراء فىِ قمص رقاق وغيبوا عنهن الناس إلا الخصيان فأقبل ينظر إليهن حتى وقف بين يدي كسرى وبينهما ستر رقيق فقال‏:‏ إن الذي بلغك عني باطل‏:‏ فقال كسرى حسبي ما سمع به الناس‏.‏

ثم أمر به فقُيد وبُعث إلى خانقين فلم يزل في السجن حتى وقع طاعون فمات به‏.‏

وقيل‏:‏ بل رماه بين يدي الفيلة فداسته حتى هلك‏.‏

فقال الشاعر فيه‏:‏ لهفي على النعمان من هالك لم نستطع تعداد ما فيه لم تبكه هندٌ ولا أختها حرقة واستعجم ناعيه بين فُيول الهند يخبطنه مختبطًا تدني نواحيه وروى عبد الله بن عبد الحميد الدمشقي قال‏:‏ كان للنعمان بن المنذر يومان‏:‏ يوم بؤس ويومُ كرمٍ وكان لا يأخذ أحدًا يوم بؤسِهِ إلا قتله فأتي برجل يوم بؤسِهِ فقال له أما علمت أن هذا يوم بؤسي قال‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ فما حملك على ذلك وأنت تعلم أني أقتلك‏.‏

قال‏:‏ أيها الملك إن لي ابنة عم ميعادي وإياها اليوم فعرضت على نفسي أن أتخلف مع الحياة أو أخرج فأنال حاجتي وأقتل فاختارت الخروج مع القتل‏.‏

قال النعمان‏:‏ فاذهبوا به فاضربوا عنقه‏.‏

فقال الرجل‏:‏ أيها الملك دعني أذهب فأنال حاجتي وشأنك والقتل‏.‏

قال‏:‏ ومنْ يضمن لي أن ترجع إلي‏.‏

فالتفت إلى كاتب النعمان فقال‏:‏ هذا يضمنني‏.‏

قال‏:‏ أتضمنه قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ إن لم يجيء قتلتك‏.‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

فضرب له النعمان أجلًا وخلى سبيله ثم إن الرجل أتى بعد ذلك فقال له النعمان‏:‏ ما حملك على المجيء وأنت تعلم أني أقتلك قال خفت أن يقال إن لم يعد قتلتك‏.‏

قال‏:‏ أيها الملك خفت أن يقال ذهب الكرم‏.‏

قال النعمان‏:‏ وأنا أيضًا أخاف أن يقال‏:‏ ذهب العفو خلوا سبيله‏.‏

أخبرنا سعيد بن أحمد بن الحسن البناء قال‏:‏ أخبرنا عاصم بن الحسن قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال‏:‏ حدثنا الحسين بن صفوان قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر القرشي قال‏:‏ حدثني عبد الرحمن بن عبيد الله بن قريِب الأصمعي قال‏:‏ أخبرنا عمي قال‏:‏ أخبرنا عامر بن عبد الملك قال‏:‏ خرج زياد حتى أتى حُرقة ابنة النعمان بن المنذر وقد لبست المسوح فقال‏:‏ حدثيني عن أهلك فقالت‏:‏ أصبحنا وما في العرب أحد إلا يرجونا أو يخافنا وأمسينا وما في العرب أحد إلا يرحمنا‏.‏

قال القرشي‏:‏ وحدثني أحمد بن الوليد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن زيد قال‏:‏ أخبرنا علي بن حرملة عن مالك بن مغول عن الشعبي عن إسحاق بن طلحة قال‏:‏ دخلت على حرقة بنت النعمان وقد ترهبت في دير لها بالحيرة وهي في ثلاثين جارية لم يُر مثل حسنهن‏.‏

فقلت‏:‏ يا حُرقة كيف رأيت عثرات الملك‏.‏

قالت‏:‏ الذي نحن فيه اليوم خير مما كنا فيه أمس وأنشدت تقول‏:‏ وبتنا نسوسُ الناس والأمر أمرنا إذا نحن فيهم سوقةٌ تتنصّف‏.‏

فأفٍ لدُنْيَا لا يدوم نعيمهما تقلب أحيانأ بنا وتصرف‏.‏

وذلك أنه لما هلك النعمان بن المنذر قيل لكسرى‏:‏ إن ماله وبيته عند هانىء بن مسعود البكري فكتب إِليه كسرى ليبعث ذلك إليه فأرسل إليه‏:‏ ليس عندي مال‏.‏

فأعاد الرسول‏:‏ قد بلغني أنه عندك‏.‏

فقال‏:‏ إن كان الذي بلغك كاذبًا فلا تأخذ بالكذب وإن كان صادقًا فذلك عندي أمانة والحُر لا يُسَلَم أمانته‏.‏

فعبر كسرى الفرات ودعا إياس بن قبيصة الطائي وكان قد أطعمه ثمانين قرية على شط الفرات فشاوره فقال‏:‏ ما ترى فقال‏:‏ إن تطعني فلا يعلم أحد لأي شيء عبرت وقطعت الفرات فيرون أن شيئًا من أمر العرب قد كرثك ولكن ترجع فتعرض عنهم وتبعث عليهم العيون حتى ترى منهم غفلة ثم ترسل قبيلة من العجم فيها بعض القبائل التي تلتهم من أعدائهم فيوقعون بهم‏.‏

فقال له كسرى‏:‏ قد بلغني أنهم أخوالك وأنت لا تألوهم نصحًا‏.‏

فقال إياس‏:‏ رأي الملك أفضل‏.‏

فبعث الهرمزان في ألفين من خيول الأعاجم وبعث ألفًا من إياد وألفًا من بهزى عليهم خالد البهزاني فلما بلغ بكر بن وائل خبر القوم أرسلوا إلى قيس بن مسعود بن هانىء بن مسعود فقدم ليلًا فأتى مكانأ خفيأ من بطن في قار فنزله وأرسل إلى هانىء فقال‏:‏ إنه قد حضر من الأمر ما ترى‏.‏

فقال له‏:‏ أرسل إلي الحلقة وهي عشرة آلاف سكة وانثرها في بني شيبان‏.‏

فقال له هانىء إنها أمانة فقال قيس‏:‏ إنكم إِن هلكتم فسيأخذون الحلقة وغيرها وإن ظهرتم فما أقدرك على أن تأخذها من قومك فأخرجها فنثرها وأمرهم فنزلوا من بطن في قار بين الجهتين فقدمت الأعاجم عليهم وهم مستعدون فاقتتلوا ساعة فانهزمت الأعاجم‏.‏

وقيل‏:‏ إن حديث في قار كان في سنة سبع من الهجرة والله أعلم‏.‏

ومن الحوادث في هذه السنة ما أخبرنا به محمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ حدثنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدئني محمد بن عبد الله عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أنه قال‏:‏ كنا جلوسًا عند صنم بِبُوانة قبل أن يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهر نحرنا جُزورًا فإذا بصائح يصيح من جوف واحدة‏:‏ اسمعوا إلى العجب ذهب استراقُ السمع ونُرمى بالشهب لنبي بمكة اسمه أحمد مهاجره إلى يثرب قال‏:‏ فأمسكنا وعجبنا وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

 باب ذكر أمارات النبوة

قال مؤلف الكتاب‏:‏ ما زالت الأنبياء قبل ظهور نبينا صلى الله عليه وسلم وعُلماء الكتُب تَعِد بِه حتى كانوا يقولون‏:‏ قد قرب زمانه وفي هذا الزمان يظهر‏.‏

أخبرنا ابن الحصين قال‏:‏ أخبرنا ابن المذهب قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن مالك قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال‏:‏ حدثني ابي قال‏:‏ حدثني يعقوب قال‏:‏ أخبرنا أبي عن ابن إسحق قال‏:‏ حدثني صالح بن عبد الرحمن بن عوف عن محمود بن لبيد عن سلمة بن سلامة بن وقش قال‏:‏ كان لنا جار من اليهود في بني عبد الأشهل قال‏:‏ فخرج علينا يومًا من بيته قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بيسير حتى وقف على مجلس بني عبد الأشهل قال سلمة‏:‏ وأنا يومئذٍ أحدث من فيه سنًا علي بردة مضطجع فيها بفناء أهلي فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار‏.‏

فقال‏:‏ ذلك لقوم أهل شرك وأصحاب أوثان لا يرون أن البعث كائنًا بعد الموت‏.‏

فقالوا له‏:‏ ويحك يا فلان ترى هذا كائنًا بأن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم قال‏:‏ نعم والذي نحلف به لود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا تحدونه ثم تدخلونه إياه فتطبقونه عليه وأن تنجوا من بين تلك النار غدًا‏.‏

قالوا له‏:‏ ويحك وما آيةُ ذلك قال‏:‏ نبي يُبعثُ من نحو هذه البلاد‏.‏

وأشار بيده نحو مكة واليمن‏.‏

قالوا ‏:‏ ومتى نراه قال‏:‏ فنظر إِلي وأنا أحدثهم سنًا فقال‏:‏ إن يستنفذ هذا الغلام عمرُه يدركه‏.‏

قال سلمة‏:‏ فو الله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم وهو حيَ بين أظهرنا فآمنا به وكفر به بغيًا وحسدًا‏.‏

فقلنا‏:‏ ويلك يا فلان ألست الذي قلت لنا أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك قال‏:‏ أخبرنا عاصم بن الحسين قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال‏:‏ أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسن بن البراء قال أخبرنا الفضل بن غانم قال‏:‏ حدثنا سلمة قال‏:‏ حدثني محمد بن إسحق عن عاصم بن عمر بن قتاده عن رجل من قومه قال‏:‏ إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة إيانا وهداه لما كُنا نسمع من يهود كُنا أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس عندنا وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا‏:‏ إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم وكنا كثيرًا ما نسمع ذلك منهم فلما بعث الله عز وجل رسوله أجبناه حين دعانا إلى الله وعرفنا ما كانوا يتواعدونا فبادرناهم إليه وآمنا به وكفروا ففينا وفيهم نزلت هذه الآيات ‏{‏ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم‏}‏ إلى قوله ‏"‏ ولعنة الله على الكافرين ‏"‏‏.‏

وعن عاصم عن شيخ من بني قريظة قال‏:‏ قال لي‏:‏ هل تدرون عما كان إسلام ثعلبة بن سعيد وأسيد بن سعيد وأسد بن عبيد نفر من بني ذهل أخوة بني قريظة كانوا معهم في جاهليتهم ثم كانوا ساداتهم في الإسلام‏.‏

قال قلت‏:‏ لا أدري قال‏:‏ فإن رجلًا من يهود من أهل الشام يقال له‏:‏ ابن الهيبان قم علينا قبل الإسلام بسنين فحل بين أظهرنا لا والله ما رأينا رجلًا قط كان يصلي الخمس أفضل منه فأقام عندنا فكنا إذا قحط عنا المطر قلنا له‏:‏ أخرج يابن الهيبان فاستسق لنا‏.‏

فيقول‏:‏ لا والله حتى تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة فنقول له‏:‏ كم فيقول‏:‏ صاعًا من تمر أو مدَين من شعير‏.‏

قال‏:‏ فيخرج ذلك ثم يخرج بنا إلى ظاهر حرتنا فيستسقي لنا فو الله ما يبرح مجلسه حتى يمر السحاب ويُسقىَ قد فعل ذلك غير مرةٍ ولا مرتين ولا ثلاثًا‏.‏

قال‏:‏ ثم حضرته الوفاة عندنا فلما عرف أنه ميت قال يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض الجوع والبؤس قال‏:‏ قلنا‏:‏ أنت أعلم‏.‏

قال‏:‏ فإنى إنما قدمت هذه البلدة أتوكف خروج نبي قد أظلكم زمانه هذه البلدة مهاجره فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه وقد أظلكم زمانه فلا يسبقنكم أحد إليه يا معشر اليهود فإنه يبعث يسفك الدماء ويسبي الذراري والنساء ممَّنْ خالفه فلا يمنعنكم ذلك منه‏.‏

فلما بعث الله رسوله وحاصر بني قريظة قالا هؤلاء الفتية وكانوا شبابًا أحداثًا‏:‏ يا بني قريظة والله إنه النبي الذي عهد إليكم فيه ابن الهيبان قالوا‏:‏ ليس به‏.‏

قالوا‏:‏ بلى والله إنه لهو بصفته‏.‏

فنزلوا فأسلموا فأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهاليهم‏.‏

ومن الأمارات رجفة عظيمة أصابت الشام قال مؤلف الكتاب‏:‏ كان الرهبان يعدُونها لعلامة ظهوره وكانوا يقولون إنه شاب قد دخل في الكهولة يجتنب المحارم والمظالم ويصل الرحم ويأمر بصلتها وهو متوسط في العشيرة صلى الله عليه‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ قال‏:‏ أخبرنا عبد المحسن بن علي قال‏:‏ أخبرنا عبد الكريم بن محمد بن أحمد المحاملي قال‏:‏ أخبرنا الدار قطني قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد بن سالم المخزومي قال‏:‏ أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن شبيب المدني قال‏:‏ أخبرنا إسحاق العدوي قال‏:‏ حدثني عثمان بن الضحاك الحزامي قال‏:‏ حدثني أبي عن مخرمة بن سليمان عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن أبيه قال‏:‏ قال طلحة بن عبد الله‏:‏ حضرت سوق بصرى فإذا براهب في صومعته يقول‏:‏ اسألوا أهل الموسم هل فيكم أحد من أهل الحرم قال طلحة‏:‏ فقلت نعم أنا‏.‏

قال لي‏:‏ هل ظهر بمكة بعْد أحمد قلت‏:‏ وما أحمد قال‏:‏ ابن عبد الله بن عبد المطلب هذا شهره الذي يخرج فيه وهو آخر الأنبياء ومخرجه من الحرم ومهاجره إلى نخل وحرة وسباخ‏.‏

قال طلحة‏:‏ فوقع في قلبي ما قال الراهب فخرجت حتى قدمت مكة فقلت‏:‏ هل كان من حدث قالوا‏:‏ نعم محمد بن عبد الله الأمين تنبأ وتابعه ابن أبي قحافة‏.‏

فخرجت حتى أتيت أبا بكر فأخبرته وقلت له‏:‏ هل تابعت الرجل قال‏:‏ نعم فانطلق فبايعه فإنه يدعو إلى الحق فذهب أبو بكر رضي الله عنه معه قال طلحة‏:‏ فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبر الراهب وما قال لي‏.‏

أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر البزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الحسين بن علي الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمر بن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا محمد بن سعد قال حدثنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدثني سلمان بن داود بن الحصين عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال‏:‏ لما قدم تبع المدينة ونزل بقناة بعث إِلى أحبار يهودٍ وقال‏:‏ إني مُخرب هذا البلد حتى لا يقوم به يهودية ويرجع الأمر إلى دين العرب‏.‏

قال‏:‏ فقال له سامول اليهودي وهو يومئذٍ أعلمهم‏:‏ أيها الملك إن هذا بلد يكون إليه مهاجرة نبي من بني إسماعيل مولده بمكة إسمه أحمد وهذه دار هجرته وإن منزلك هذا الذي أنت به يكون من القتلى والجراح أمر كثير في أصحابه وفي عدوهم قال تبع‏:‏ ومَنْ يقاتله يومئذٍ وهو نبي كما تزعمون قال‏:‏ يسير إليه قومه فيقتتلون ها هنا‏.‏

قال‏:‏ فأين قبره قال‏:‏ بهذا البلد قال‏:‏ فإذا قوبل فلمن تكون الدبرة قال‏:‏ تكون له مرة وعليه مرة وبهذا المكان الذىِ أنت به يكون عليه ويقتل به أصحابه مقتلة لم يقتلوا في موطنٍ ثم يكون له العاقبة ويظهر ولا ينازعه هذا الأمر من أحدٍ‏.‏

قال‏:‏ وما صفته قال‏:‏ رجل ليس بالطويل ولا بالقصير في عينيه حُمرة يركب البعير ويلبس الشملة سيفه على عاتقه لا يبالي مَنْ لاقى من أخ أو ابن عم أوعم حتى يظهر أمره‏.‏

قال تبع‏:‏ ما إلى هذه البلدة من سبيل قال محمد بن عمر‏:‏ وحدثني عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال كان الزبير بن باطا أعلم اليهود يقول‏:‏ إِني وجدت سِفرًا كان يختمه علي فيه ذكر أحمد نبي يخرج بأرض القَرَظ صفته كذا وكذا فتحدث به الزبير بن باطا بعد أبيه والذي يومئذٍ لم يُبعث فما هو إلا أن سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم قد خرج بمكة حتى عمد الى ذلك السفر فمحاه وكتم شأن النبي صلى الله عليه وسلم وصفته وقال‏:‏ ليس قال محمد بن عمر‏:‏ وحدثني الضحاك بن عثمان عن مَخْرَمَة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس قال‏:‏ كانت يهود قُريظة والنضير وفدك وخيبر يجدون صفة النبي صلى الله عليه وسلم قبيل أن يُبعث وأن دار هجرته المدينة‏.‏

فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت أحبار اليهود‏:‏ وُلد أحمد الليلة هذا الكوكب قد طلع فلما تنبأ قالوا‏:‏ تنبأ أحمد قد طلع الكوكب كانوا يعرفون ذلك ويُقرون به ويصفونه وما منعهم من اتباعه إلا الحَسَد والبغي‏.‏

قال محمد بن عمر‏:‏ وحدثني ابن أبي ذئب عن مسلم بن حبيب عن النضر بن سفياق الهذلي عن أبيه قال‏:‏ خرجنا في عير لنا إلى الشام فلما كنا بين الزرقاء ومعان وقد عرسنا من الليل إذا بفارس يقول‏:‏ أيها النيام هبوا فليس هذا بحين رقاد قد خرج أحمد وطُردت الجن كل مُطَرد ففزعنا ونحن رفقة أجرًارة كلهم قد سمع هذا فرجعنا إِلى أهلنا فإذا هم يذكرون قال محمد بن سعد‏:‏ وأخبرنا علي بن محمد بن عمار بن ياسر وغيره عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ سكن يهودي بمكة يبيع بها تجارات فلما كانت ليلة ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مجلس من مجالس قريش‏:‏ هل فيكم من مولود ولد هذه الليلة‏.‏

قالوا لا نعلمه قال‏:‏ انظروا يا معشر قريش وأحْصُوا ما أقول لكم‏:‏ ولد الليلة نبيَ هذه الأمة‏:‏ أحمد به شامة بين كتفيه فيها شعرات‏.‏

فتصدع القوم من مجالسهم وهم يتعجبون من حديثه فلما صاروا في منازلهم وذكروا لأهاليهم فقيل لبعضهم‏:‏ وُلد لعبد الله بن عبد المطلب الليلة غلام سماه محمدًا فأتوا اليهودي في منزله فقالوا‏:‏ أعلمت أنه وُلد فينا مولود فقال‏:‏ بعد خبري أم قبله قالوا‏:‏ قبله واسمه أحمد‏.‏

قال‏:‏ فاذهبوا بنا إليه فخرجوا معه حتى دخلوا على أمه فأخرجته إليهم فرأى شامة في ظهره فغشي على اليهودي ثم أفاق فقالوا‏:‏ مالك قال‏:‏ ذهبت النبوة من بني إسرائيل وخرج الكتاب منهم وهذا مكتوب يقتلهم ويبز أخبارهم فازت العرب بالنبوَة أفرحتم يا معشر قريش أما والله ليَسطَون بكم سطوة يخرج نبؤها من المشرق إلى المغرب‏.‏

قال‏:‏ وأخبرنا علي بن محمد بن سلمة بن عثمان عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال‏:‏ كانت العرب تسمع من أهل الكتاب ومن الكهًان أن نبئًا يُبعث من العرب اسمه محمد فسمَّى من أخبرنا أبو غالب محمد بن الحسن الماوردي قال‏:‏ أخبرنا القاضي أبو محمد همام بن محمد بن الحسن الأيلي قال‏:‏ حدثنا أبو عبد الله الحسن بن علي بن مهدي قال‏:‏ أخبرنا أبو علي أحمد بن الحسين بن شعبة قال‏:‏ أخبرنا أبو جعفر محمد بن محمد بن حسان الأنصاري قال‏:‏ حدثنا بشر بن حجر الشامي قال‏:‏ أخبرنا علي بن منصور الأنباري عن غياث بن عبد الرحمن الرقاشي عن محمد بن كعب القرظي قال‏:‏ بينما عمر بن الخطاب قاعد في المسجد إذ مرً به رجل في مؤخر المسجد فقال له رجل‏:‏ يا أمير المؤمنين أتعرفُ المارَّ قال‏:‏ فمن هو قال‏:‏ سواد بن قارب وهو رجل من أهل اليمن له فيهم شرف وموضع وهو الذي أتاه ريبة بظهور النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

فقال عمر‏:‏ علي به‏.‏

فدعى به فقال أنت سواد بن قارب قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فأنت على ما كنت عليه من كهانتك‏.‏

فغضب غضبًا شديدًا وقال‏:‏ يا أمير المؤمنين ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت‏.‏

فقال عمر‏:‏ يا سبحان الله والله ما كنا عليه من الشرك أعظم مما كنت عليه من كهانتك أخبرني بإشارات أتتك بظهور النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال‏:‏ نعم يا أمير المؤمنين بينا أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان إذ أتاني آتٍ فضربني برجله وقال‏:‏ قم يا سواد بن قارب فافهم واعقل إن كنت تعقل إِنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى اللة عز وجل وإلى عبادته ثم أنشأ الجني يقول‏:‏ تهوي إلى مكة تبغي الهدى مَا خير الجن كأرجاسها فارحل إلى الصفوة من هاشم واسمُ بعينيك إلى راسها قال‏:‏ فلم أرفع لقوله رأسًا وقلت‏:‏ دعني أنام فإني أمسيت ناعسًا فلما كان في الليلة الثانية أتاني فضربني برجله وقال‏:‏ ألم أقل لك يا سواد بن قارب قم فافهم واعقل ان كنت تعقل قد بعث نبي من لؤي بن غالب يدعو إلى الله عز وجل وإلى عبادته ثم أنشأ الجني يقول‏:‏ أعجبت للجن وتطلابها وشدها العيس بأقتابها تهوي إِلى مكة تبغي الهدى ما صادق الجن ككذا بها فارحل إلى الصفوة من هاشم ليس قداماها كأذنابها قال‏:‏ فلم أرفع بقوله رأسًا‏.‏

فقلت‏:‏ دعني أنام فإني أمسيت ناعسًا فلما كان الليلة الثالثة أتاني فضربني برجله وقال‏:‏ ألم أقل لك يا سواد بن قارب قم فافهم واعقل إن كنت تعقل إنه قد بُعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله وإلى عبادته ثم أنشأ يقول‏:‏ عجبت للجن وأخبارها وشدها العيس بأكراها تهوي إِلى مكة تبغي الهدى ما مؤمنو الجن ككفارها فارحل إلى الصفوة من هاشم بين روابيها واحجارها قال‏:‏ فوقع في قلبي حُب الإسلام ورغبت فيه فلما أصبحت شددت علي راحلتي وانطلقت متوجهًا إلى مكة فلمَا كنت ببعض الطريق أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد هاجر إلى المدينة فقدمت المدينة فسألت عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

فقيل لي‏:‏ في المسجد فأتيت إلى المسجد فعقلت ناقتي وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس حوله فقلت‏:‏ تسمع مقالتي يا رسول الله‏.‏

فقال لأبي بكر‏:‏ أدنه أدنه فلم يزل بىِ حتى صرت بين يديه فقلت‏:‏ اسمع مقالتي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ هات فأخبرني بإتيانك رئيك‏.‏

فقلت‏:‏ أتاني نجي بعد هدء ورَقْدة ولم أك فيما قد بلوتُ بكاذب ثلاث ليالٍ قوله كل ليلة أتاك رسولٌ من لؤيَ بن غالب فشمرتُ عن ذيلي الإزار ووسطت بي الذعلب الوجناء بين السباسب فأشهد أن الله لا رب غيره وإنك مأمونَ على كل غائب وأنك أدْنى المرسلين وسيلة إلى الله يابن الأكرمين الأطايب فمرنا بما يأتيك يا خير مُرسل وإن كان فيما جاء شيب الذوائب وكن لي شفيعًا يوم لا ذو شفاعة سواك لمغن عن سواد بن قارب قال‏:‏ ففرح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بإسلامي فرحًا شديدًا وأصحابه حتى رئي الفرح في وجوههم‏.‏

قال‏:‏ فوثب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فالتزمه وقال‏:‏ قد كنت أحب أن أسمع هذا منك‏.‏

أخبرنا ابن الحصين قال‏:‏ أخبرنا ابن المذهب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ حدَّثنا عبد الرزاق قال‏:‏ أخبرنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس‏:‏ أن قريشًا أتوا كاهنة فقالوا‏:‏ أخبرينا بأقربنا شبهًا بصاحب هذا المقام‏.‏

فقالت‏:‏ إِن أنتم جررتم كساء على هذه السهلة ثم مشيتم عليها نبأتكم‏.‏

فجروا ثم مشى الناس عليها فأبصرت أثر محمدٍ صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ هذا أقربكم شبهآ به فمكثوا بعد ذلك عشرين سنة أو قريبآ من عشرين سنة أو ما شاء الله ثم بعث صلى الله عليه وسلم‏.‏

 باب ذكر الحوادث الكائنة في زمان نبينا

ذكر ما جرى في السنة الأولى من زمان النبوة قال مؤلف الكتاب‏:‏ لما تمت له صلى الله عليه وسلم أربعون سنة ودخل في سنة إحدى وأربعين يوم واحدٌ أوحى الله عز وجل إليه ولد في سنة عشرين من ملك كسرى أبرويز وكان قد حبب إليه الخلوة وكان ينفرد في جبل حراء يتعبد‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معررف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ حدًثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قَعْنَب قال‏:‏ حدَثنا سليمان بن بلال وأخبرنا معن عن مالك بن أنس جميعآ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سمع أنس بن مالك يقول‏:‏ بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس أربعين سنة‏.‏

أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك الحافظ قال‏:‏ أخبرنا عاصم بن الحسن قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أحمد البراء قال‏:‏ بَعَثَ الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم وله يومئذ أربعون سنة ويوم فأتاه جبريل عليه السلام ليلة السبت وليلة الأحد ثم ظهر له بالرسالة يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان بحراء وهو أول موضع نزل فيه القرآن به نزل‏:‏ ‏"‏ اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ‏"‏ فقط‏.‏

ثم فحص بعقبه الأرض فنبع منها ماء فعلمه الوضوء والصلاة‏.‏

ركعتين‏.‏

وروى أبو قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه سئل عن صوم يوم الاثنين فقال‏:‏ ‏"‏ ذاك يوم وُلدت فيه ويوم بعثت فيه ‏"‏‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ واختلفوا أي الاثنين كان على أربعة أقوال‏:‏ أحدها‏:‏ لسبع عشرة خلت من رمضان وقد ذكرناه عن ابن البراء‏.‏

وأخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا الحارث قال‏:‏ أخبرنا ابن سعد قال‏:‏ أخبرنا الوادي قال‏:‏ حدًثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن أبي جعفر قال‏:‏ نزل المَلَك على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من رمضان‏.‏

والقول الثاني‏:‏ أن القرآن نزل لأربع وعشرين ليلة خلت من رمضان‏.‏

رواه قتادة عن أبي الجلد‏.‏

والثالث‏:‏ لثمان عشرة خلت من رمضان‏.‏

رواه أيوب عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي‏.‏

والقول الرابع‏:‏ أنه كان في رجب‏.‏

أخبرنا سعد الخير بن محمد الأنصاري قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن علي الأبنوسي قال‏:‏ أخبرنا عبد الملك بن عمر الرزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو حفص بن شاهين قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عبد الله لبزار قال أخبرنا علي بن سعيد الرقي قال‏:‏ أخبرنا ضمرة بن أبي شوذب عن مطر الوراق عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال‏:‏ مَنْ صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب له صيام ستين شهرًا وهو اليوم الذي نزل فيه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة أول يوم هبط فيه‏.‏

أخبرنا ابن الحصين قال‏:‏ أخبرنا أبو علي بن المذهب قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن مالك قال‏:‏ حدَثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ أخبرنا عبد الرزاق قال‏:‏ أخبرنا معمر عن الزهري قال‏:‏ أخبرني عروة عن عائشة أنها قالت‏:‏ أول ما بدى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء وكان يأتي حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فتزوده بمثلها حتى فجأه الحق وهو في غار حراء فجاءه المَلَك فيه فقال‏:‏ اقرأ‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما أنا بقارىء قال‏:‏ فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال‏:‏ اقرأ‏.‏

فقلت ما أنا بقارىء فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال‏:‏ إقرأ فقلت‏:‏ ما أنا بقارىء‏.‏

فأخذني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال‏:‏ ‏"‏ اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان ‏"‏ حتى بلغ ‏"‏ ما لم يعلم ‏"‏ فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال‏:‏ ‏"‏ زملوني زملوني ‏"‏ فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال‏:‏ أيا خديجة مالي وأخبرها الخبر قال‏:‏ قد خشيت على نفسي فقالت له‏:‏ كلاَّ أبشر فو الله لا يخزيك الله أبدًا إنك لتصل الرًحم وتُصدق الحديث وتَحْمل الكًلَ وتَقْري الضيف وتعين على نوائب الحق ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل وهو ابن عم خديجة وكان امرءًا تنصًر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي وكان شيخًا كبيرًا قد عمي فقالت خديجة‏:‏ أي ابن عم‏.‏

اسمع من ابن أخيك فقال ورقة‏:‏ يا بن أخي ما ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ورقة‏:‏ هذا الناموس الأكبر الذي نزل على موسى يا ليتني فيها جذعًا أكون حيًا حين يخرجك قومك‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أو مخرِجيَ هم‏.‏

قال‏:‏ نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي فإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزًرأ‏.‏

ثم لم يَنْشَب ورقة أن توفي‏.‏

وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنَاَ غَدَا منه مرارًا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال فكلما أوْفى بذروة جبل كي يلقي نفسه منه تبدَى له جبريل عليه السلام فقال له‏:‏ يا محمد إنك لرسول الله حقًا‏.‏

فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا بمثل ذلك فإذا أوفى بذروة تبدى له جبريل فقال مثل ذلك‏.‏

أخبرنا عبد الأول بن عيسى قال‏:‏ أخبرنا أبو المظفر قال‏:‏ أخبرنا ابن أعين قال‏:‏ أخبرنا الفربري قال‏:‏ حدَثنا البخاري قاله‏:‏ حدَثنا يحيى بن بكر قال‏:‏ أخبرنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال‏:‏ أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه‏:‏ فبينا أنا أمشي سمعت صوتًا من السماء فرفعت رأسي فإذا المَلَك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فجثيت منه رعبًا فرجعت فقلت‏:‏ زملوني زملوني لم فدثروني فأنزل اللّه عز وجل ‏"‏ يأيها المدثر ‏"‏‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ هذا حديث متفق على صحته والذي قبله‏.‏

وقد روي ابن إسحاق عن إسماعيل إبن أبي حكيم مولى الزبير أنه حدَّث عن خديجة انها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ فيما يثبته فيما أكرمه الله عزً وجل به من نبوته يا بن عم أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك‏.‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

قالت‏:‏ فإذا جاءك فأخبرني به فجاءه جبريل فقال‏:‏ يا خديجة هذا جبريل‏.‏

قالت‏:‏ فقم فاجلس على فخني اليسرى فقام فجلس فقالت‏:‏ هل تراه قال‏:‏ نعم قالت‏:‏ فتحول إلى فخذي اليمنى فتحول فقالت‏:‏ هل تراه قال نعم‏.‏

قالت‏:‏ فتحول فاجلس في حجري‏.‏

فجلس فقالت‏:‏ هل تراه قال‏:‏ نعم فألقت خمارها وقالت‏:‏ هل تراه قال‏:‏ لا‏.‏

قالت‏:‏ يا بن عم اثبت وأبشر فوالله إنه لَمَلك وما هو بشيطان‏.‏

أخبرنا أبو بكر بن عبد الباقي البزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمر بن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ حدَثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا عفان بن مسلم قال‏:‏ أخبرنا حمَّاد بن سلمة قال‏:‏ حدَثنا علي بن زيد‏:‏ اليوم ‏"‏ آية لا ابالي مَنْ كَذًبَني بَعْدَهَا مِنْ قَوْمي ‏"‏ فإذا شجرة من قبل عقبة المدينة فناداها فجاءت تشق الأرض حتى انتهت إليه فسلمت عليه ثم أمرها فرجعت فقال‏:‏ ‏"‏ ما أبالي مَنْ كذَبني بعدها من قومي ‏"‏‏.‏

أخبرنا علي بن عبد العزيز السماك قال‏:‏ أخبرنا أبو الفضل محمد بن محمد بن الطيب قال‏:‏ أخبرنا عثمان بن يوسف العلاف‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن سلمان النجاد قال‏:‏ أخبرنا عبد الملك بن محمد قال‏:‏ حدثني عبيد الله بن محمد وابو ربيعة وداود بن شبيب قالوا‏:‏ أخبرنا حماد بن زيد عن علي بن زيد بن رافع عن عمر رضي الله عنه قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجون فقال‏:‏ اللَهم أرني آية لا ابالي مَنْ كذَّبني بَعْدَهَا من قريش فقيل له‏:‏ ادع هذه الشجرة فدعاها فأقبلت تجر عروقها تقطعها ثم أقبلت تجز الأرض حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قالت‏:‏ ما تشاء ما تريد قال‏:‏ ارجعي إلى مكانك فرجعت إلى مكانها فقَال‏:‏ والله ما أبالي مَنْ كَذَبني مِن قريش‏.‏

فصل قرين رسول الله من الملائكة قال مؤلف الكتاب‏:‏ وقد اختلف الناس فيمن كان قرين رسول الله صلى الله عليه وسلم من الملائكة مدة نبوته‏.‏

فأخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمر بن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا يعلى بن أسيد قال‏:‏ حدَثنا وهيب بن خالد عن داوود بن أبي هند عن عامر‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنَةَ فكان معه إسرافيل ثلاث سنين‏.‏

ثم عزل عن إسرافيل وقرن به جبريل عليه السلام عشر سنين بمكة وعشر سنين مهاجره بالمدينة‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ فذكرت هذا الحديث لمحمد بن عمر فقال‏:‏ ليس يعرف أهل العلم ببلدنا أن إسرافيل قرن بالنبي صلى الله عليه وسلم فإن علماءهم وأهل الستر منهم يقولون‏:‏ لم يقرن به غير جبريل من حين أنزل عليه بالوحي إلى أن قبض صلى الله عليه وسلم‏.‏

فأما صفة نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم فأخبرنا عبد الأول قال‏:‏ أخبرنا المظفر قال‏:‏ أخبرنا ابن أعين قال‏:‏ أخبرنا الفربري قال‏:‏ أخبرنا البخاري قال‏:‏ أخبرنا عبد اللّه بن يوسف قال‏:‏ أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة‏:‏ أن الحارث بن هشام سأل النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ كيف يأتيك الوحي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أحيانًا يَأتيني في مِثْل صَلْصَلَةِ الجَرَس وَهُوَأشدهُ عليَ فيفْصُم قالت عائشة‏:‏ ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقًا‏.‏

قال مؤلفه‏:‏ أخرجاه في الصحيحين‏.‏

وفيهما‏:‏ من حديث يعلى بن أمية‏:‏ أنه كان يقول لعمر رضي الله عنه‏:‏ ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه الوحي فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم و بالجعرانة جماءه رجل فسأله عن شيء فجاءه الوحي فأشارعمر إلى يعلى أن تعال فجاء يعلَى فأدخل رأسه فإذا هو محمرّ الوجه يغطّ كذلك ساعة ثم سُري عنه‏.‏

وقد أخبرنا ابن الحصين قال‏:‏ أخبرنا ابن المذهب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ أخبرنا أبو النضر قال‏:‏ أخبرنا عبد الحميد قال‏:‏ أخبرنا شهر قال‏:‏ حدَثني عبد الله بن عباس قال‏:‏ بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء بيته بمكة جالس إذ مر به عثمان بن مظعون‏.‏

فتكشر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله‏:‏ ألا تجلس قال‏:‏ بلى قال‏:‏ فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبله فبينا هو يحدثه إذ شَخَصَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره إلى السماء فنظر ساعة إلى السماء فأخذ يضع بصره حتى وضعه على يمينه في الأرض فتحرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره وأخذ ينفض راسه كأنه يستفقه ما يقول له وابن مظعون ينظر فلما قضى حاجته واستفقه ما يقال له شَخَصَ بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء كما شخص أول مرة فاتبعه بصره حتى توارى في السماء فاقبل عثمان بجلسته الأولى فقال‏:‏ يا محمد فيما كنت أجالسك وآتيك‏.‏

وما رأيتك تفعل كفعلك الغداة قاله‏:‏ ‏"‏ وما رأيتني فعلت ‏"‏ قال‏:‏ رأيتك تشخص ببصرك إلى السماء ثم وضعته حيت وضعته على يمينك فتحرفت إليه وتركتني فأخذت تنفض رأسك كأنك تستفقه شيئًا يقال لك‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ وفطنت لذلك ‏"‏ قال عثمان‏:‏ نعم‏.‏

قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أتاني رسوِل الله آنفَاَ وأنت جالس قال‏:‏ رسول الله قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فما قال لك قال‏:‏ ‏{‏إِنَ اللّه يأمُر بالعَدْل والإحسان وإيتاء ذِي القًربىَ ويَنْهى عن الفَحْشَاء والمُنْكر والبَغْي يعِظكم لعلكم تذكَرون‏}‏‏.‏

قال عثمان‏:‏ فذلك حين استقر الإيمان في قلبي وأحببت محمدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال أخبرنا باسناده‏.‏

وقال أبو أرْوَى النوسي‏:‏ رأيت الوحي ينزل على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأنه على راحلته فترغو وتفتل يديها حتى أظن أن ذراعها ينفصم فربما بركت وربما قامت مُؤَتدة يديها حتى يسرى من ثقل الوحي وإنه لينحدر منه مثل الجمان‏.‏

رواه ابن سعد‏.‏

قال‏:‏ وأخبرنا عبيد الله بن موسى قال‏:‏ أخبرنا إسرائيل عن جابر عن عكرمة قال‏:‏ فصل وكان من الحوادث في مبعثه صلى الله عليه وسلم